وضع داكن
22-02-2025
Logo
حياة المسلم 3 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 25 - لو استقاموا
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع:
 سلام الله عليكم مستمعينا ، أينما كنتم عبر أثير إذاعتكم حياة FM ، في مجلس علمٍ وإيمان ، نلتقي فيه من جديد مع فضيلة العلّامة المربي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، شيخنا الفاضل أهلاً وسهلاً بفضيلتكم .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وحفظ هذه الإذاعة الإسلامية .
المذيع:
 أطال الله عمرك دكتور ، وبارك لنا في صحتكم ، وعلمكم ، لو استقاموا هذا عنوان هذا اللقاء ، وهو جزءٌ من قول الخالق سبحانه وتعالى :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) ﴾

[ سورة الجن]

 وأيضاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم :

(( عن مالك بن أنس رحمه الله بلغَهُ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : استقيموا ولن تُحْصُوا ، واعلموا أنَّ خيرَ أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ))

[ أخرجه مالك]

 شيخنا الحبيب نبدأ مع فضيلتكم بتوضيح المصطلحات ماذا تعني كلمة الاستقامة ؟

مقومات حمل الأمانة :

الدكتور محمد راتب :
 أخي الكريم ؛ بارك الله بك ، ونفع بك ، لابد من مقدمةٍ تلقي ضوءاً كاشفاً على حقيقة هذا الموضوع .
 الإنسان أولاً المخلوق الأول عند الله ، لأنه في عالم الأزل قبِل حمل الأمانة ، فلما قبل حمل الأمانة ، أعطاه الله مقوماتها ، المقومات ؛ أعطاه عقلاً ، أعطاه كوناً ، أعطاه شهوة ، أعطاه حريةً ، فالإنسان هناك شهوات تحركه ، لماذا يتحرك ؟ ليأكل ، حفاظاً على بقائه كفرد ، لماذا يتحرك أيضاً ؟ ليتزوج ، حفاظاً على بقاء النوع ، ولماذا يتحرك أيضاً ؟ حفاظاً على بقاء الذكر للتفوق ، بحاجة إلى أن يأكل ويشرب ليبقى حياً ، وبحاجة إلى الزواج ليبقى العنصر البشري مستمراً ، وبحاجة إلى التفوق ليبقى ذكره ، هي حاجات ثلاثة يحتاجها أي إنسان في الأرض ، أما إذا عرف الله ، وعرف سرّ وجوده ، وغاية وجوده ، وآمن بالدار الآخرة على أنها دارٌ أبدي .

(( عن أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ' قال الله عز وجل : أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ، واقرؤوا إن شئتم : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [ السجدة : 17 ]))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي]

 آمن بالله ، وباليوم الآخر ، آمن بأنه المخلوق الأول ، والمُكلف ، والمُخير ، والمفضل ، وهو عند الله الأول إذا عرف سرّ وجوده ، وغاية وجوده ، لكن الله عز وجل أودع فيه قوة إدراكية ، أعطاه العقل ، فالإنسان يدرك بعقله أن هذه الحياة بقصرها ، وأنها مليئة بالمتاعب لا تتناسب مع عظمة هذا الكون ، معنى ذلك أنت مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض ، وجيء بك إلى الدنيا لتدفع الثمن ، والثمن ، ما من شهوةٍ أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفةً طاهرة تسري خلالها .
 لكن للتقريب : شهوة المرأة مثلاً مئة وثمانون درجة ، مسموح بمئة وأربعين ، تتزوج، لا يوجد شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله فيها في عليائه قناةً نظيفةً طاهرة تسري خلالها ، إذاً بالإسلام لا يوجد حرمان ، يوجد ترشيد ، وتصعيد ، وعطاء يرقى بالإنسان ، لذلك الشهوات قوى دافعة إلى الله عز وجل ، أو قوى مدمرة ، قوى دافعة أو قوى مدمرة .
المذيع:
 في ظل هذا الكلام شيخنا ماذا يمكن أن نعرف الاستقامة ؟

الاستقامة هي السير وفق شرع الله :

الدكتور محمد راتب :
 أولاً : لا يصدق أحد على وجه الأرض في القارات الخمس أن شيئاً أودع في الإنسان ليس له قناة نظيفة طاهرة راقية يسري خلالها ، أي يجب أن ننزع من أذهان الناس غير المثقفين مقولة : الدين ضغوط ، لا ليس ضغوطاً ، أنت إذا كنت تمشي في طريق ، وهناك لوحة كُتب عليها : ممنوع التجاوز حقل ألغام ، هل ترى هذه اللوحة حداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك ؟ أي شيء حرمه الله هو ضمان لسلامتنا .
 أخي الكريم ؛ في الأرض ثمانية مليارات ، هل هناك إنسان يحب الفقر ؟ ولا إنسان ، هل هناك إنسان يحب القهر ؟ ولا إنسان ، هل هناك إنسان يحب المرض ؟ ولا إنسان ، إذاً لا يوجد إنسان على وجه الأرض من ثمانية مليارات إنسان إلا وهو حريص على سلامته ، وهل هناك شخص لا يتمنى أن يكون بيته جيداً ، وزوجته صالحة ، وأولاده أبراراً ، وبناته محتشمات ، وله مكانة اجتماعية ؟ نحن جميعاً ، وهل هناك إنسان لا يحب أن يعيش مئة وثلاثين سنة ؟ كل إنسان يحب ذلك ، فأنت سلامتك ، وسعادتك ، واستمرارك ، سلامتك من كل مرض ، من كل مشكلة ، من كل خطر ، من كل قهر ، من كل خوف ، من كل فقر ، سلامتك ، سعادتك ، صحتك ، زواجك ، بيتك ، أولادك ، عملك ، مكانتك الاجتماعية ، ثم أن تعيش عمراً فيه طاعة لله ، هذا طلب كل إنسان ، هذه الطلبات التي يتمناها أي إنسان على وجه الأرض من ثمانية مليار إنسان متحققة مئة في المئة في الدين ، أنت مع من ؟ مع خالق الأكوان ، تتحرك وفق من؟ وفق تعليمات الصانع ، والجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تُتبع تعليماتها .
 عندك سيارة ، ضوء أحمر تألق ، هذا إنذار أن هناك نقصاً بالزيت ، إن فهمته تزيينياً احترق المحرك ، فالعبرة أن تفهم مراد الله من كل مصيبة ، ومن لم تحدث المصيبة في نفسه موعظةً ، فمصيبته في نفسه أكبر .
المذيع:
 إذاً من هذا الكلام شيخنا الاستقامة إذاً هي أن يسير الإنسان وفق شرع الله .
الدكتور محمد راتب :
 تعليمات الصانع ، والجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تُتبع تعليماتها لأنها الجهة الخبيرة ، قال تعالى :

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

[ سورة فاطر]

المذيع:
 من سار عكس الاستقامة شيخنا ؛ سار في هذه الدنيا على هواه ، بعيداً عن ضوابط الله ، ما آثار تلك السلبية في الدنيا والآخرة ؟

الآثار السلبية لمن ابتعد عن الاستقامة :

الدكتور محمد راتب :
 يدفع الثمن الباهظ ، يأتيه الشقاء ، لأنه اعتدى على أعراض الآخرين ، عنده مشكلة ، اعتدى على أموالهم عنده مشكلة ثانية ، اعتدى على حرماتهم عنده مشكلة ثالثة ، ما دمت على منهج الله لك مكانة كبيرة عند الله ، وعند الناس ، ووعدك الله بالسلامة ، لقوله تعالى :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147)﴾

[ سورة النساء]

 السلامة مطلوبة من كل إنسان ، تتحقق فعلاً بطاعة الله عز وجل ، والدليل :

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾

[ سورة الأحزاب]

 حقق السلامة في الدنيا ، والسعادة في الآخرة .
المذيع:
 سيأتي شيخنا من يقول لفضيلتكم بأن هنالك بعض الأشخاص ، ومثال على ذلك في الغرب كثيراً ، من هو بعيد عن الإسلام ، من هو غير مستقيم في حياته ، حياته مليئة بالحرام من بدايتها لنهايتها ، لكنه يعيش نجاحاً ، ويعيش سعادةً وثروةً ، بينما بعض المسلمين أوضاعهم المالية تثير الشفقة ، ما رد فضيلتكم ؟

من تحرك وفق منهج الله سلم وسعد :

الدكتور محمد راتب :
 يا أخي الكريم ؛ إذا كان واحد بالأرض ، وأصفار للشمس ، وكل ميلي صفر ، كم هذا الرقم ؟ واحد بالأرض وأصفار للشمس ، مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، وكل ميلي صفر ، ما هذا الرقم ؟ هذا الرقم إذا نُسب إلى اللانهاية صفر ، الإنسان مخلوق إلى اللانهاية ، مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض .

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾

[ سورة هود]

 خلقهم للجنة ، فالإنسان عندما أتى إلى الدنيا ، الدنيا دار عمل ، دار كسب ، دار انضباط ، دار تحريك الشهوات وفق منهج الله ، دار زواج لا دار زنى ، دار عمل لا دار سرقة ، فالإنسان عندما يتحرك وفق منهج الله يسلم ويسعد ، والدليل :

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

 سعادة في الداخل ، سعادة نفسية ، تفوق في الخارج ، أسرة ناجحة ، أولاد أبرار ، مكانة اجتماعية .
 والله الذي لا إله إلا هو إن لم يقل المؤمن : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني عنده مشكلة مع الله عز وجل ، الحياة بالطاعة جميلة جداً ، الأسرة شيء رائع جداً ، الله مصمم الأسرة من زوجة مخلصة ، وأولاد أبرار .
المذيع:
 شيخنا على صعيد دنيوي ، لماذا بعض المسلمين يعيشون في تعاسة ؟ لماذا يعيشون في فقر بينما بعض الأشخاص الذين شردوا عن الاستقامة الدنيا بين أيديهم ؟ ما الحكمة دكتور ؟

من خضع لمنهج الله فهو في رعايته وعنايته :

الدكتور محمد راتب :
 سيدي يوجد حكمة دقيقة ، لكن أتمنى أن تنتظر قليلاً ، طبيب يوجد عنده مريضان، الأول معه التهاب معدة حاد ، هذا الطبيب الرائع المتفوق يخضعه لحميةٍ قاسيةٍ جداً جداً ، ستة أشهر على الحليب فقط ، لأن الشفاء بعد هذه الحمية تام وواقعي ، واضح تماماً ؟ والثاني معه سرطان منتشر بكل جسمه ، سأل الطبيب : ماذا آكل ؟ قال له : كُل ما شئت لأنه لا يوجد أمل ، والدليل قوله تعالى :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾

[ سورة الأنعام]

 فالبطولة أن تخضع لمنهج الله ، وعندئذٍ يوجد متابعة من الله ، معالجة من الله ، مصائب طفيفة ، لفت نظر ، تربية ، أنت سلمت أمرك لله ، الله يعالجك ، يعالجك من خلال صحتك ، من خلال أهلك ، أولادك ، من حولك ، لذلك المؤمن برحمة الله ، بعناية الله ، بحكمة الله .
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور ، كلام طيب ، وكلام جميل ، شيخنا سواءً من الآية الكريمة التي تلونها في مطلع الحلقة :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾

 أو من الحديث :

(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

 هناك رابط كبير بين الاستقامة وبين الرزق ، سنستأذن فضيلتكم للتوسع بهذه النقطة بعد الفاصل دكتور لنتحدث عنها ، كيف يمكن للاستقامة أن تكون باباً من أبواب رزق الإنسان في هذه الدنيا ؟
فاصل قصير بعد ذلك نعود بإذن الله .
 عنوان حلقتنا لهذا اليوم :" لو استقاموا "، شيخنا الفاضل في تفسير الإمام الطبري في تفسير قول الله سبحانه وتعالى :

﴿ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾

 أي لو وسعنا عليهم في الرزق ، وبسطنا لهم في هذه الدنيا ، من الآية الكريمة :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾

 ما الرابط بين الاستقامة وبين رزق الدنيا ؟

من استقام على أمر الله تنتظره عطاءات لا تعد ولا تحصى :

الدكتور محمد راتب :
 قبل ذلك ؛ أب استقبل ابنه آخر العام معه جلاء مدرسي ، أخذ علامات تامة بالمواد كلها ، وهناك ثناء على أخلاقه ، هذا الأب ألا يرحب بهذا الابن ؟ ألا يضمه ؟ ألا يكرمه بهدية ثمينة ؟
 الإنسان عندما يستقيم يتحرك وفق منهج الله ، يعطي كل ذي حق حقه ، زوج مثالي، أب مثالي ، ابن مثالي ، أخ مثالي ، تاجر مثالي ، هناك مكافأة في الدنيا ، المكافأة هي إذا الله أعطى أدهش ، يعطيك صحة ، على مكانة اجتماعية ، على أسرة ناجحة ، على أولاد أبرار ، عطاء الله عز وجل لمن يستقيم على أمره ، لأن الله عز وجل قال :

﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)﴾

[ سورة الطلاق]

 من كل مشكلة :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً (17)﴾

[ سورة الجن]

 أي هذا الذي استقام على أمر الله تنتظره عطاءات من الله لا تعد ولا تحصى .
المذيع:
 شيخنا ؛ إذاً ما هو الرابط ؟ أي لماذا ربطت بصراحةٍ ووضوح في الآية الاستقامة بالماء الغدق ، بالرزق الكبير الوفير ؟ لم ؟

الرابط بين الاستقامة ورزق الدنيا :

الدكتور محمد راتب :
 لأن الإنسان كائن يحتاج إلى طعام وشراب ، يحتاج إلى مأوى ، فمادة هذه الحاجات هي المال ، بالمال يسكن ببيت معقول ، بالمال يتزوج امرأة يدفع لها مهراً ، بالمال يربي أولاده ، يضعهم في مدارس ، بالمال يقيم مشروعاً إنسانياً ، بالمال يتقرب إلى الله ، المال مادة أساسية

﴿ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾

  أي الله عز وجل إذا رأى من عبد طاعةً ، وخوفاً منه ، وخدمةً لعباده ، لابد من أن يكافئه ، لكن أحياناً الإنسان يفعل هذا ليس إخلاصاً ، بل مظهراً راقياً فيمن حوله ، هذا يعالج أحياناً من الله رب العالمين ، كيف الأب حريص على أولاده حرصاً بلا حدود ، أحياناً يعاقب الأب ابنه المقصر ، فكل شيء سلبي بالحياة هو بالأساس لفت نظر لهذا الإنسان ، المصائب تصيب الهدف ، يوجد تقصير بالصلاة ، أكل مال حرام ، عدوان ، تفرقة بين رجلين ، بين زوجين ، هذه كلها أشياء غلط ، فيها معصية لله ، فالله عز وجل ممكن أن يهمله فيستحق النار ، لكن الله رب العالمين يربيه ، يبعث له مصيبة ، ما من مصيبةٍ إلا ولها سبب ، والبطولة أن نفهم حكمة المصيبة .

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾

 شيء طبيعي جداً ، إنسان طبق المنهج ، ماله حلال ، علاقاته مع النساء ، بزوجته ، بمن حوله ، أب صالح ، ابن صالح ، زوج صالح ، تاجر صالح ، لا يوجد أمامه إلا الإكرام من الله عز وجل ، والدليل :

﴿ أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ( 18)﴾

[ سورة السجدة]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾

[ سورة الجاثية]

 مستحيل !
المذيع:
 الله يفتح عليكم شيخنا ؛ النبي صلى الله عليه وسلم هو سيد الصالحين والمستقيمين، مرّ في حياته تحديات مادية كبيرة للغاية ، ما الحكمة من هذا ؟

الابتلاء علة وجودنا :

الدكتور محمد راتب :
 هذا موضوع ثان ، الله عز وجل قال هو :

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾

[ سورة الملك]

 نحن في دار ابتلاء ، والابتلاء علة وجودنا في الدنيا ، هو

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾

  والنبي الكريم سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم قال :

(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أتت علي ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال))

[أخرجه الترمذي وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه]

 أي هل يوجد طالب بالقارات الخمس يدخل الجامعة ويظن أنه لا يوجد امتحان ؟ مستحيل ،
 هل هناك إنسان على وجه الأرض يعتقد وهماً أنه لا يوجد ابتلاء ، هو

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾

 آية ثانية :

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾

[ سورة المؤمنين]

 فالابتلاء علة وجودنا ، الإمام الشافعي سُئل : ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال إجابةٍ رائعة ، قال : لن تمكن قبل أن تبتلى ، الابتلاء علة وجودنا في الدنيا ، الإنسان مبتلى بالفقر ، مبتلى بالغنى أيضاً ، مبتلى بالقوة ، وبالضعف ، وبالوسامة ، وعدم الوسامة ، مبتلى بزوجة صالحة ، كانت من نوع ثان تحملها ، صبر عليها ، علة وجودنا في الدنيا الابتلاء ، فشيء طبيعي جداً إنسان دخل جامعة أنه يوجد امتحان ، فإما أن ننجح أو ألا ننجح .
المذيع:
 فالابتلاء هنا شيخنا معناه الامتحان وليس العقوبة كما ورد من قبل ؟
الدكتور محمد راتب :
 لا ، أبداً ، الابتلاء بالمعنى العامي عقوبة ، بالمعنى الأساسي حيادي .
المذيع:
 امتحان قد يرفعك ، وقد لا يرفعك .
الدكتور محمد راتب :
 سيدنا يوسف ابتُلي بامرأة العزيز لكنه نجح ولم يرسب ، كان عفيفاً .
المذيع:
 الله يفتح عليكم شيخنا ، إذاً شيخنا الأصل الآن القاعدة الشرعية ، أن من يستقيم ربنا يغدق عليه بالنعم ، لكن هنالك امتحانات من الله سبحانه وتعالى تكون استثناءات لهذه القاعدة .

بطولة الإنسان ليس ألا يبتلى بل أن ينجح في الابتلاء :

الدكتور محمد راتب :
 الله عز وجل حكيم ، يلقي في روع الإنسان ، في كيانه ، أن هذه المصيبة ليست عقاباً إنما هي امتحان ، الدليل سيد الخلق قال :

(( أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أخفت في الله))

 فشيء طبيعي علة وجودنا الوحيدة الابتلاء ، والبطولة ليس ألا تبتلى ، بل أن تنجح في الابتلاء .
المذيع:
 الله يفتح عليكم شيخنا ، شيخنا أنتقل مع فضيلتكم لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

 ما المعنى هنا ؟

الله تعالى لا يكلف أي نفس إلا وسعها :

الدكتور محمد راتب :
 والله يا أخي هذا الحديث له معنيان ، المعنى الأول أعتقد أنه غير صحيح ، بمعنى أنكم لن تحصوا الاستقامة ، لماذا ؟ لقوله تعالى :

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)﴾

[ سورة البقرة]

 لا يعقل ، ولا يُقبل أن نكلف ما لا نطيق ، والدليل هذه الآية الصريحة ، القطعية الدلالة :

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا َ﴾

 أما إذا توهم متوهم أن هذا الحكم الشرعي لا يستطيع أن يفعله ، نقول له : ليس هكذا ، هذا الأمر الشرعي لا تريد أن تفعله ، لأن الله عز وجل قال كلمة جامعة مانعة قاطعة :

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا َ﴾

 والذي يعلم الوسع هو الله .
المذيع:
 ونعم بالله رب العالمين ، والمعنى الثاني شيخنا الذي يصح في :

((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا )) ؟

الدكتور محمد راتب :
  المعنى الثاني : الاستقامة لن تحصوها ، هذا معنى غير مقبول إطلاقاً ، أي لا تستطيع ، لكن لماذا أمرتنا بها ؟ يلغيها

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾

.
 لكن عفواً ، إنسان مستقيم ، بيته إسلامي ، عمله إسلامي ، دخله إسلامي ، زوجته وبناته محجبات ، لا يوجد عنده أية مشكلة ، جاءت مصيبة ، إذا لم يفهم حكمتها هي متروكة ليحسن الظن بالله عز وجل ، هناك أشياء واضحة ، واضحة كالشمس ، وأشياء غير واضحة ، لكن بعد حين يكشف له الحكمة .
عندنا قاعدة أصولية : كل شيء وقع بالقارات الخمس من آدم ليوم القيامة أراده الله لأنه لا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد ، فكل شيء وقع أراده ، أما هنا أراده لا تعني أبداً أنه قبله ، ولا تعني أبداً أنه رضيه ، لكنه سمح به ، فكل شيء وقع بالقارات الخمس أراده الله أي سمح به ، أي أراد ولم يرضَ ، سمح به ولم يرضَ ، وكل شيء أراده الله وقع ، الآن والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، فالذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقةٌ بالخير المطلق ، الشر المطلق أي شر للشر لا وجود له في الكون ، لأنه يتناقض مع وجود الله .
المذيع:
 الله يفتح عليكم شيخنا ، الله يفتح عليكم يا رب ، شيخنا الحبيب ؛ بدايةً أنوه للمستمعين الراغبين بالمشاركة بطرح استفساراتهم على فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي ، بهذا الموضوع لو استقاموا ، مرحباً باتصالاتكم معنا .
 شيخنا ، لو أن إنساناً أموره المالية متعسرة ، وضعه أقرب إلى الضيق ، وإلى الديون، وإلى الفقر ، لو قرر أن يتوب ، وأن يستقيم على شرع الله في أن يفعل ما أمر الله ، ويتجنب ما نهى الله ، هل يمكن أن يكون هذا باباً من أبواب الرزق المادي ليفرج عليه ؟

التوبة باب لتيسير الأمور المادية :

الدكتور محمد راتب :
 أولاً :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)﴾

[ سورة النساء]

 الثانية :

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾

[ سورة البقرة]

 الثالثة :

(( التوبة تجب ما قبلها )) أخي الكريم ، باللغة المتعارف عليها شخص بالأردن عليه دين حوالي مئة مليون ، شيء يهد جبالاً ، لو جاءه عرض أنه أنت افعل هذه الأعمال وتعفى من الدين ، هذه هي :

(( التوبة تجب ما قبلها ))

المذيع:
 هل يمكن أن تصبح التوبة باباً ؟
الدكتور محمد راتب :
 باب التوبة مفتوح على مصراعيه .
المذيع:
 هل التوبة ممكن أن تصبح شيخنا باباً لتيسير أموره المادية ؟
الدكتور محمد راتب :
 طبعاً ،

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ ﴾

  الآية واضحة

﴿ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾

 هذه كناية .
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور ، نستأذنكم شيخنا ، بجولة من مشاركات مستمعينا الكرام في هذا الموضوع ، نبدأ معك أمجد تفضل .

أسئلة وأجوبة :

المستمع :
 السلام عليكم سيد نديم ، أعطاك الله العافية ، حضرتك أفضل من حاور ، ولخص ، واستنتج ، سلامي للدكتور النابلسي .
الدكتور محمد راتب :
 أهلاً ، وسهلاً ، ومرحباً .
المستمع :
 ادع لنا يا شيخ .
الدكتور محمد راتب :
 نسأل الله أن ينولك مرادك .
المستمع :
 لو سمحت أستاذ نديم بعد إذنك الاستقامة ، أي أنا أفهم الاستقامة أنها هي عدم الحياد عن الدرب .
المذيع:
 نعم ، مثلما ذكر الدكتور .
المستمع :
 أنا إنسان أصلي ، والجميع في البيت عندي يصلون ، وهم والحمد لله ملتزمون شرعاً، ويلبسن الحجاب ، لكن يوجد بعض الأشياء أنا أحاول أن أغيرها ، مثلاً هناك أشياء بالتلفاز ، أو مسلسلات ، أو أشياء ممكن أن تغضب رب العالمين ، لكن أنا لا أريدها من ناحية ضغط ، أو من ناحية إجبار ، كيف لي أن أوجه رسالة لأولادي أو لنفسي أنا أولاً من دون أن يكون هذا الشيء غصباً بل يكون بمحبة ، وبنفس الوقت كيف أتخلص من هذا الشيء ؟
المذيع:
 الله يفتح عليك ، أعتقد نقطة مهمة وتمسنا جميعاً ، بارك الله بك أخي أمجد ، شكراً لهذا السؤال المهم ، لننتقل إلى يزن تفضل .
المستمع :
 السلام عليكم ، بارك الله بكم ، وبارك بفضيلة الشيخ ، الله يفتح عليه إن شاء الله وننتفع من علمه ، شيخنا الحبيب في نصادف بعض الأخوة أنه وقع مثلاً بقرض ربوي ، أو وقع في بعض الفواحش ، أو في بعض المنكرات ، ثم يقول : ربنا أراد ذلك ، أو ربنا اختار لي ذلك ، نريد أن نسأل شيخنا عن هذه الفئة من الناس .
المذيع:
 سؤال مهم أيضاً ، شكراً لك أخي يزن ، بارك الله بك ، شكراً لك .
 شيخنا الحبيب ، سنستأذن فضيلتكم لنتوقف مع فاصل ، ونعود للإجابة عن هذه الأسئلة والمزيد من مشاركات مستمعينا الأكارم ، إذاً مستمعينا وقفة قصيرة مع الإعلانات ، من بعدها نعود للإجابة عن هاتين القضيتين ، أن هل ما طرحه السيد يزن أن ربنا سبحانه وتعالى يقدر للإنسان أن يقع في المعصية كما يقول البعض .
 والنقطة الأخرى إذا كان لنا بعض الذنوب - الصغيرة في البيوت ، كيف لنا أن نقنع من نحب بتجاوزها ؟ وقفة قصيرة مع الإعلانات ثم نعود .
 شيخنا الفاضل ، قبل الفاصل كان عندنا مجموعة من أسئلة مستمعينا ، نبدأ بإجابة أخينا أمجد ، تحدث أنه الحمد لله ، البيت بالعموم من أهل الصلاة ، والحجاب ، لكن هناك بعض الأشياء المنتشرة شيخنا ، ممكن مشاهدة بعض المسلسلات ، بعض الأشياء التي فيها معاص ، بين قوسين صغائر ، ما تعليق فضيلتكم ؟ وكيف يمكن للإنسان أن يقنع أهله بتركها ؟

القدوة قبل الدعوة والإحسان قبل البيان :

الدكتور محمد راتب :
 نتصور بيتاً فيه جميع الأجهزة الكهربائية ، ثريات ، ثلاجة ، ميكروويف ، مروحة ، أي جهاز كهربائي فيه نموذج من أعلى مستوى ، لكن لا يوجد كهرباء في البيت ، ما قيمة هذه الأجهزة ؟ صفر ، الآن التيار الكهربائي إذ فصلناه ميليمتراً واحداً كل هذه الأجهزة توقفت ، وإن فصلناه متراً نفس الشيء ، فالمعصية تقطع عن الله عز وجل ، المعصية حجاب بينك وبين الله ، أما إذا لم يكن هناك معصية ، معك خط ساخن مع الله ، طريق سالك إلى الله ، هناك دعاء ، سعادة بالصلاة ، توفيق بالعمل ، سكينة أسرية ،

((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

 الخيرات ، أما إذا كان هناك قطع استقامة ، التيار توقف ، صار هناك ظلام ، خطأ ، توتر نفسي غير معقول .
 لذلك أنا أقول أخاطب الآباء والأمهات في تربية أولادهم : أقنع ولا تقمع ، بيّن ، أقنع ولا تقمع ، هذا نمط ، النمط الآخر والأهم كن أنت قدوة ، الابن إذا لم يرَ أباه في موقف لا يليق بالأب ، يتابع على الشاشة شيئاً لا يرضي الله عز وجل ، تكلم كلمات غير معقولة في البيت ، فما دام الأب مستقيماً استقامته منهج ، استقامته دعوة .

(( عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا اعتمروا واستقيموا يستقم بكم ))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

 أنا أرى بالبيوت القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، والأصول قبل الفروع ، ومعالجة مخاطبة العقل والقلب معاً ، والأساس الركائز ، ليس الأشياء الثانوية ، هناك منهج دقيق جداً ، لكن الملخص : أقنع ولا تقمع ، والقدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان .
المذيع:
 سؤال أخينا يزن شيخنا كان أن بعض الأشخاص يقعون في بعض الأخطاء الشرعية كقرض ربوي ، وعندما تسأله يقول لك : والله أنا قدر عليّ هذا ، ما رد فضيلتكم ؟

عقيدة الجبر أخطر عقيدة تتسرب لعقول الناس :

الدكتور محمد راتب :
 هذا أكبر كذب .

﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)﴾

[ سورة الأعراف]

 ما قدر عليك أبداً ، دقق :

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29)﴾

[ سورة الكهف]

 أنت مخير .

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ( 3 ) ﴾

[ سورة الإنسان]

 أن يرتكب معصية باختياره ، برغبة منه ، بمبادرة إلى هذه المعصية ، ثم ينسبها إلى الله ! هذا اسمه عقيدة الجبر .

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾

[ سورة الأنعام]

 أخطر عقيدة تتسرب لعقول الناس الجبر ،

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

 مقدر عليّ هذا كلام ، مثلاً : طالب لم يدرس فلم ينجح ، قال : الله لم يكتب لي أن أنجح هذه السنة ، هذا الكلام اركله بقدمك ، أعطاك معلومات ، أعطاك قوانين ، الدراسة تحتاج إلى نتائج إيجابية ، فالإنسان عندما يتخلى عن المبادئ الكونية والاجتماعية يكون أحمق .
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور ، أظن شيخنا ذكرتم في الحلقات الماضية قصة سيدنا عمر حينما جاءه شاربٌ للخمر ، وأراد أن يقيم عليه الحد ، فقال : هذا ما قدره الله عليه .
الدكتور محمد راتب :
 قال : أقيموا عليه الحد مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه افترى على الله ، قال له : ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار ، أنت مخير ، مخير قطعاً ، والمعصية ارتكبت بإرادة منك قطعاً .
المذيع:
 شيخنا في الدقيقة الأخيرة المتبقية معنا ، ما هي نصائحكم لمن أراد أن يستقيم على شرع الله ؟ ماذا يصنع ؟ من أين يبدأ ؟

نصائح لمن أراد أن يستقيم على شرع الله :

الدكتور محمد راتب :
 والله أنا مضطر أنا أقول له نصيحة ، لكن ثمينة ، لابد من حاضنةٍ إيمانية دليلها :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾

[ سورة التوبة]

 اجلس مع صديقٍ مؤمن ، اسهر مع صديقٍ مؤمن ، قم بنزهةٍ مع صديقٍ مؤمن ، شارك صديقاً مؤمناً .

(( عن أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ))

[أخرجه أبو داود والترمذي]

 أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية .

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً(28) ﴾

[ سورة الكهف]

المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور ، نختم هذه الحلقة بالدعاء ، ونسأل الله القبول .

الدعاء :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور